الأعداد السابقة

10 أيام قبل الزفة.. السينما في مواجهة الحرب

عبدالقادر عثمان

 «جسد الفيلم معاناة اليمنيين بكل مناحيها، بأسلوب هادف يجمع بين السخرية والجدية ويمزج الفكاهة بالدراما والرومانسية»


«استطاع تحويل القضية اليمنية إلى سينما كسرت التابوهات التي تعيش فيها سينما البلد»


حينما قرر فريق عمل الفيلم اليمني «10 أيام قبل الزفة» إنتاجه، كان هدفهم لا يتجاوز إحياء دور السينما في عدن (جنوب) بعد ثلاثة عقود على غيابه خلف ركام من العوائق المتشابكة والمتداخلة لأسباب سياسية واقتصادية واجتماعية ودينية، بيد أن النتيجة عبرت به إلى دور العرض العربية والعالمية وأدخلته إلى قائمة التنافس على جائزة «الأوسكار» لأفضل الأعمال السينمائية غير الناطقة بالإنكليزية، ونال وفريقه جوائز عربية أيضاً. 

 فكرة الفيلم بسيطة جداً، تنطلق من أثر الحرب التي عاشتها عدن على كافة جوانب الحياة داخل المدينة، وعليها يمكن قياس البلد برمته، رغم أن إنتاج الفيلم في ظروف كهذه يكسر المعادلة، ويثبت أن بإمكان الإنسان التغلب على الحرب، ومعالجة نتائجها بالطريقة التي تسهم في خلق وعي مجتمعي وثقافي يفضي إلى تحقيق السلام.

يحكي الفيلم الذي أنتج أواخر العام 2018، قصة خطيبين في مدينة عدن، تقف الحرب أمام زواجهما خمس سنوات، حتى إذا ما جاءت العشرة أيام الأخيرة قبل الزفة، تنهال عليهما المصائب وتحاصرهما العوائق من كل الاتجاهات، والتي بلا شك هي من تبعات الحرب، إلى أن وصل الحال حد اليأس بعد اختفاء الفتاة، التي جسّدت دورها الممثلة الشابة سالي حمادة. وتنتمي سالي إلى أسرة فنية عريقة، فهي حفيدة الفنان أحمد بن أحمد قاسم، ووالدتها الفنانة المسرحية والكاتبة ذكرى أحمد علي. 

شوارع عدن

تقوم سالي بدور «رشا» النازحة من منزل دمرته الحرب إلى منزل آخر مع أبويها وإخوتها، يقبل صاحبه – رجل ثري وقريب من الأسرة – بمكوثهم فيه دون إيجار، طمعاً في التقرب والزواج منها، وهو الذي يحب تعدد الزوجات ولديه زوجتان. تعيش الفتاة حالة صراع مع أسرتها، بين شقيق يحاول فرض سيادته الذكورية، وأب عاطل عن العمل لا يسمح بخروجها من البيت لاستكمال ترتيبات الزفاف دون دفع مبلغ من المال هو «قيمة القات (نبتة يمنية يتناولها اليمنيون)، وأم تحاول تدمير علاقتها بخطيبها «مأمون» لتزويجها من مالك المنزل.

على الجانب الآخر، يؤدي الممثل الشاب خالد حمدان، دور مأمون، وهو شاب عصامي يكافح في أسرة فقيرة لإكمال تأثيث غرفة بناها على سطح منزلهم الصغير، لكن انفصال عمّته عن زوجها وعودتها وأطفالها للعيش معهم يضطره لإفساح المجال لها والتنقل بأثاثه في شوارع عدن، للبحث عن شقة يناسب حجمها وسعرها، ثم يدخل في صراع مع ديونه وارتفاع الأسعار وأزمة النزوح التي أدت إلى ازدحام المدينة وجعلت من مهمته صعبة، إلى جانب ما يصادفه من جشع المؤجرين ونهب العقارات وانتشار العصابات المسلحة.

دمار الحرب

تدور أحداث الفيلم بعد ثلاث سنوات من انتهاء الحرب في المدينة، وتعرض المشاهد جانباً من الدمار الذي خلفته الحرب في عدن، وجوانب أخرى من حياة الناس وحضارة المدينة وموروثها الحضاري الجميل، مع لمحات بسيطة إلى مشكلة الصرف الصحي وانقطاع الكهرباء والماء وأزمة الوقود وانقطاع المرتبات والانقسام الحاصل في البلد، لكن بشكل ذكي دون الانحياز إلى طرف أو استهداف آخر، وهي حيلة ذكي استخدمها كاتب السيناريو مازن رفعت، لإلقاء اللوم على جميع الأطراف.

يؤخذ على الفيلم بشكل ملاحظ استخدام الأسلوب التقليدي في تسلسل أحداثه، إذ قسّم المخرج الشاب عمرو جمال الفيلم إلى عشرة أجزاء، في كل جزء تدور أحداث صعبة ومعقدة، تظهر مع كل منها تاريخ اليوم من الأيام العشرة، على رغم أن الربط بين الأحداث بأسلوب مشوّق وجذّاب زاد من حبكة القصة بشكل يدفع إلى مزيد من التركيز والإثارة والمتعة. تقول سالي حمادة إن اندفاعها لتمثيل دور رشا كان من منطلق الإيمان بالفكرة الكامنة وراء إنتاج الفيلم بشكل عام وهي إحياء دور العرض في عدن بعد إغلاقها كل تلك العقود. وتضيف في حديث إلى «إل مقه»: «ذلك مشروع كان لا بد أن أكون جزءً منه، بصرف النظر عن قوة الفكرة أو الإمكانيات الفنية في الفيلم».

حياة مشرّدة

تتواصل مجريات الأحداث، ويصل مأمون إلى مرحلة الانهيار المالي كلما اقترب يوم الزفاف، فتلجأ رشا إلى تجسيد دور المرأة اليمنية في التدبير الحياتي من خلال اتخاذ إجراءات اقتصادية تقشفية كتغيير قاعة الزفاف إلى أخرى أصغر و وجبات الحضور بأخرى أقل ثمناً؛ لتوفير قيمة إيجار الشقة. وفي الوقت ذاته يزداد تضييق الخناق على أسرة رشا بعد رفض الأخيرة عرض قريبها بالزواج منه، فيلجأ هو إلى المجيء بمشترٍ للبيت، وتصبح أسرتها مهددة بالتشرد إن أصرت هي على رفض «سليم» الذي قام بدوره الممثل محمد ناجي بريك، وهي مشكلة تعانيها الكثير من الأسر النازحة، وتضطر معها إلى تزويج فتياتها حتى في سن مبكّر؛ خوفاً من استغلالهن أو تعريضهن للأذى. 

يلجأ قريب الأسرة الثري إلى محاربة مأمون فيفقد عمله ويخسر محل الإنترنت، الذي كان يمكن من خلاله توفير دخل بسيط يعيش مع رشا منه إذا ما ساعدته براتبها المتواضع، ويضطر أيضا إلى دفع جزءً من الديون المتراكمة عليه، بحكم قضائي، وتزداد معاناته في العثور على مكان ملائم لإيواء أثاث غرفته، حتى إيجاد سكن يجمعه بخطيبته، فيقع فريسة الإحباط، ويتعرض أثاثه للتلف من جراء المطر بعد تعرضه لطلقات نارية من قبل المسلحين، يُجبر مع كل ذلك إلى مصارحة رشا بعجزه على المواصلة، فيما تجهش هي بالبكاء وتدخل في نوبة اكتئاب عميقة، إذ تقول لـ «إل مقه»: إن «رشا هي عدن بكل تفاصيلها الجميلة والحزينة».

«أم المساكين»

أخيرا تنجح أم رشا في إقناعها بالزواج من سليم، لحظة ضعف الشابة، ويتوه مأمون في حيرته وأحزانه في شوارع عدن وأزقتها الضيقة، هنا يرتفع صوت الموسيقى التصويرية بأغنية «أم المساكين» التي كتبها المخرج وغنّاها سالم فدعق، وهي من توزيع مهاب السعيد. لكن رشا تختفي فجأة من المنزل بمجرد مجيء سليم بالقاضي لإتمام العقد. تزيد هذه الحادثة عقدة الحبكة بشكل مثير يجعل المشاهد يطرح في ذهنه جملة من التساؤلات عن مصير رشا والزواج؟ خاصة والفيلم في دقائقه الأخيرة. 

تُطرد أسرتها من منزل سليم، فتتضاعف المأساة في الفيلم بشكل درامي رائع، غير أن ذلك لا يستمر كثيراً حتى يذهب مأمون إلى منزل رشا المدمر، يتبعه أخوها وأمها وصديقتها، ولكن لا أثر لرشا. بعد ذلك تظهر على سيارة أجرة تحمل فرشًا وبعض المتاع، الذي أتت به لتسكن في بيتها المدمر في موقف مؤثر يوحي بعمق ارتباط الإنسان بسكنه ووطنه، إذ مهما دارت بنا الأيام وتنقلت بنا السنوات فإنه لا دار يتسع لنا سوى ذلك الذي نمت أظافرنا فيه، وهي رسالة ربما تحمل في طياتها مدلولاً سياسياً لا يتسع المجال لتفسيره. هنا تؤمن أم رشا بحتمية زواج ابنتها من مأمون، ويتم الفرح بحفلة بسيطة، وتظهر «النهاية».

تجسيد واقع

جسد الفيلم معاناة اليمنيين بكل مناحيها، بأسلوب هادف يجمع بين السخرية والجدية ويمزج الفكاهة بالدراما والرومانسية، من خلال مناقشته لقضية واقعية ذات أبعاد سياسية وثقافية واقتصادية واجتماعية وإنسانية في آن، واستطاع المخرج تقديم كل ذلك خلال ساعتين فقط دون أن يلاحظ المشاهد العادي أي نوع من التكلّف. ويبدو أن الأحداث التي عاشها طاقم الفيلم خلال فترة الإنتاج انعكست في تعزيز الفيلم بتفاصيل صغيرة وجمالية. 

استطاع الطاقم أيضاً تحويل القضية اليمنية إلى سينما كسرت التابوهات التي تعيش فيها سينما البلد وتفرّدت بتقديمها عالمياَ، رغم الإمكانيات المحدودة والفترة الزمنية القصيرة لإنتاج الفيلم خلال شهر واحد كما تحدث عنه طاقمه في وقت سابق. وبعيداً عن الوقوف عند النقد الفني للإمكانيات، فإن الفيلم بمجمله حدثاً مهماً ونقلة نوعية في السينما اليمنية تدل على أن الشباب اليمني لا ينقصه سوى الدعم، ومساحة من الحرية فقط.

حول الموقع

إل مقه - نادي القصة اليمني