الأعداد السابقة

دور المنظمات والمؤسسات الثقافية في خلق وعي عام ونضج مدني لدى المجتمع

بلال قايد عمر

نشأت منظمات ثقافية كثيرة مستفيدة من حالة التغيير الحاصلة، هدفت إلى إحداث وعي عام لدى المجتمع وكان يُؤمل على الكثير منها، لكنها -على عكس المتوقع- حذت حذو المنظمات الوهمية، أسماء بلا أفعال او أنشطة على أرض الواقع.


المشكلة في اليمن ثقافية اجتماعية  


حيث ذهبت رئيسة مركز الإعلام الثقافي وداد البدوي: إلى أن المشكلة في اليمن ثقافية اجتماعية برغم ما تمتلكه اليمن من موروث ثقافي إلا أن الوعي الثقافي لدى الشرائح الاجتماعية متدنٍ إن لم يكن غائباً ولذا اتخذنا المسار الثقافي في عملنا رغم مشقاته وكل ما يواجه من صعوبات على كل المستويات وذلك بهدف الوصول بالمجتمع إلى الوعي العام والنضوج المدني الحقيقي والمسؤول خاصة بعد فشل الفعل الثوري عام 2011 م بتحقيق كل طموحات الشباب وتطلعاتهم  بالتغيير.


وتضيف قائلة عن تجربة مؤسستها: المركز وجد من ساحة الحراك الثوري وقد استطعنا أن ندرك مشكلتنا وواقعنا، أما ما تحقق فإن المركز يعتبر أول مبادرة شبابية ثقافية جادة، استطاع من خلال أنشطته تسليط الضوء على الشباب المبدعين في المجال الثقافي والفني وقدمنا على منصة الإبداع عددا من الوجوه من الجنسين الذين واجهوا الجمهور لأول مرة، هذا فضلاً عن تنظيم فعاليات نوعية في المسرح والدورات التدريبية في الإعلام والسينما والجلسات النقاشية الفكرية والنقدية ولأول مرة في اليمن نفذنا صباحية خاصة «عزف منفرد على العود «ولأول مره قمنا برصد الحراك الثقافي في اليمن وأصدرنا تقريراً ثقافياً عن الفعاليات في كل المحافظات، استطعنا أن ننافس بقوه رغم عمرنا القصير في الميدان و شحة الإمكانيات، في مقابل عدم حضور عدد من المؤسسات الثقافية التي لها أسماء رنانة لكن حضورها الفعلي لا وجود له. 


ورغم العراقيل التي كسرناها بتعاون وصدق فريق العمل وحبه لخدمة الثقافة وتطلعه لواقع مختلف، ومع ذلك ظل الجانب المادي هو الكابوس، لأن لا أحد يريد أن يدعم الثقافة في اليمن، ثم إن نظرة المجتمع تجاه الثقافة لا تنصف المثقف، فضلا عن وجود بعض المضايقات من التيارات الدينية وهي كثيرة ونافذة باليمن، وهو ما جعل عدداً من الجهات ترفض التعاون معنا. بجانب حداثة هذا التخصص وقلة الخبرة الإدارية بهذا الجانب.


واختتمت البدوي حديثها بالقول: العمل الثقافي هو الجانب الذي نستطيع من خلاله أن نوصل رسائلنا للجميع والأهم أنه مجال يجمع الناس ولا يفرقهم ويسهم في تنمية البلد وإضفاء الوعي وخلق فرصة للمبدعين وتحفيزهم على الإنتاج بدلاً من الانشغال في الجوانب الأخرى التي لا تخدمهم ولا تخدم اليمن.


 


ارتباط الثقافة بالتعليم الحديث 


أما الإستاذ عبدالباري طاهر المدير التنفيذي لمؤسسة العفيف الثقافية التي تعتبر من أقدم المؤسسات الثقافية في خدمة الثقافة اليمنية فقد بدأ حديثه عن الصعوبات التي واجهت المؤسسة: منذ الأزمة الشاملة في اليمن تعرضت السفارة الفرنسية- وهي بالجوار من المؤسسة- للتهديد من قبل التيارات السلفية الجهادية، وتوقف جزء مهم من نشاط المؤسسة المتعلق بالقراءة والمراجعة في المكتبة، كما أوقفت الندوات والمحاضرات، ويقتصر الآن عمل المؤسسة على الاستمرار في عمل الموسوعة، وهي الجانب المهم في عمل المؤسسة ولكن المؤسسة تواجه أيضا صعوبات مالية بسبب استمرار تآكل الوقفية من قبل المؤسس، وعدم الانتظام في صرف المعونة المقدمة من الحكومة، ورغم الظروف الصعبة إلا أن الإصرار على استمرار المؤسسة واستعادة كامل أنشطتها الأدبية والثقافية وندواتها الفكرية وفتح الأبواب أمام القراء الطلاب والباحثين- قائم، وننتظر توفر الظروف الأمنية الموائمة لاستعادة كامل الأنشطة. 


وأضاف الأستاذ عبدالباري: كان الأستاذ احمد جابر عفيف من الآباء المؤسسين للتعليم الحديث، فاهتم أيما اهتمام بالتعليم الحديث وقد تبنى رئيس المؤسسة فكرة جائزة العفيف، كما تبنت المؤسسة فكر الشباب، وعقدت ندوات ومناظرات بين الشباب والشابات حول قضايا فكرية وسياسية ومجتمعية، ووثقت المؤسسة لهذه المناظرات التي استمرت عدة أشهر في مطلع القرن الواحد والعشرين. 


واستمر بالقول: أصدرت المؤسسة عدة إصدارات، ووثقت الندوات والمحاضرات الأسبوعية في مجلتها (الحولية)، واهتمت المؤسسة أكثر فأكثر بالجوانب التعليمية والكتاب المدرسي، وللمؤسسة مكتبة كبيرة تضم نفائس الكتب وأمهات المراجع يؤمها الطلاب والباحثون القراء، وقاعة واسعة للمطالعة والقراءة، والدور الأعلى صالة للندوات والمحاضرات عرضت عليها العديد من التمثيليات والمسرحيات والنقاشات العامة. أصدرت موسوعة العفيف الثقافية، في مجلدين مطلع التسعينات، وكانت أول موسوعة في اليمن، ثم كانت طبعتها الثانية في أربعة مجلدات، وقد ساهم في تحريرها كبار الأدباء والمفكرين وأهل الاختصاص في مختلف نواحي الفكر والثقافة والحضارة والتمدن والتاريخ اليمني. وتعكف المؤسسة حاليا على إعداد الطبعة الثالثة.


ويختتم الأستاذ عبدالباري طاهر بالقول: لقد عملت المؤسسة أيضا على توفير برنامجين تعليميين الأول لتعليم اللغة الإنجليزية، والثاني للتدريب على الكمبيوتر، وقامت المؤسسة بتدريب كثير من الشباب والشابات، كل هذه البرامج مجانية. المئات من الشابات والشبان قد أعلنوا عن مواهبهم الإبداعية في القصة والشعر والنقد والتثاقف والحوار في هذه المؤسسة وعلى مدى أكثر من ربع قرن، وكانت المؤسسة قبلة للشبان والشابات المبدعين والمبدعات. وهي الآن في انتظار انجياب سحب كوارث الحرب والإرهاب، واهتمام الدولة بمسئوليتها إزاء المؤسسات الثقافية والإبداعية التي أثرت الوجدان الوطني، وغرست بذور الثقافة الوطنية وقيم التعايش والتسامح والحرية.


 


العمل الثقافي رسالة يجب تحملها وايصالها 


نصيب الفنانين ودورهم في صناعة المشهد الفني لا يتجزأ من المشهد الثقافي حيث تحدث الاستاذ فؤاد الكهالي ممثل وأمين عام نقابة المهن التمثيلية قائلا: لابد لنا هنا أن نؤمن بحقيقة أن المنظمات الثقافية تفتقر إلى مقومات ماديه تمكنها من ممارسة نشاطها. والنشاط الثقافي يعتبر رساله يجب تحملها وايصالها الي مختلف شرائح المجتمع وهذا دورنا من خلال توفر الامكانيات، يسعى الفنانون بمختلف مناشطهم  الثقافية إلى تقديم الاعمال الفنية المختلفة من خلال وسائلهم ووفق الإمكانيات المتاحة وهناك أعمال كثيرة اختلفت الأعمال باختلاف الوضع السياسي وما تمر به البلد فكل فنان قدم اعمالاً في مجاله بما يتوافق مع قناعاته، لا توجد عراقيل لوجستية انما الوضع المادي وما تمر به اليمن من ظروف جعلت الإنتاج أقل من المفترض ولكن  الميزة في هذا الجانب أن المجتمع متفاعل مع ما نقدمه وله صدى على مستوي الساحة. 


 


تقلص موارد المؤسسات يعرقل المبدع


أما الأستاذ زيد الفقيه المدير التنفيذي لنادي القصة فاختصر إجابته بالقول: النشاط الثقافي هو البحر الذي تستطيع التنفس فيه دون أن يعترض طريقك أحد، قدمنا في نادي القصة الكثير من المطبوعات، وقدمنا الكثير من الشباب الذين لم يكن أحد منهم يعرف الطريق إلى إظهار إبداعه، وأنتجنا كتابا واحدا فقط بعد الربيع العربي المشؤوم، وأغلقت معظم المطابع التي كانت تسهل للمبدع اليمني نشر عمله، ويقول الأستاذ زيد الفقيه أن اكبر قيد يعرقل المؤسسات هو تقلص الموارد المالية للمبدعين. الا أن الجانب الثقافي عالم منفتح على كل مشارب المعرفة، وميزته أنه متاح كالهواء والماء. 


 


المعرفة تشكل الوعي 


وحيث ان للأطفال نصيباً من واقع المؤسسات الثقافية والتي تجاهلته الكثير من المؤسسات العاملة بالشأن الثقافي ولو بجزء يسير من أنشطتها، كان حديث الأستاذة مها صلاح رئيسة مؤسسة إبحار للطفولة حيث بدأت قائلة: تخصصنا في النشاط الثقافي، لقلة المنظمات التي تعمل في المجال الثقافي وخصوصا تلك التي تهتم بثقافة الطفل على وجه الخصوص، وهذا المجال المجتمعي على أهميته في تشكيل الوعي لا يجد اهتماماً وينظر إليه عادة على أنه ترفيه، في الوقت الذي يقوم على قيم عميقة كقيمة المعرفة والقراءة واحترام الفنون. 


واوضحت قائلة: إن المؤسسة منذ بدأت عملها منذ عام ٢٠٠٣ م  قدمت العديد من البرامج والأنشطة لعل أهمها كان الفعاليات الثقافية التي يشارك الأطفال في تقديمها وإنتاجها مثل الإصدارات الأدبية ضمن سلسلة مبدعين جدد، ومسرح الدمى وأنشطة الرسم والمعارض الفنية وأنشطة القراءة، و أنشطة للشباب ارتبطت بفنون الحكي والتشكيل، وكل الأنشطة المقدمة ترتبط بثقافة حقوق الإنسان كقيمة أساسية.


واضافت الأستاذة مها: خلال ثورة الربيع العربي قدمنا أنشطة توعوية لحماية الأطفال وعدم الزج بهم في المظاهرات والمسيرات وساحات القتال عبر إصدار مجلة حملت اسم (قزح) وتبنت شعار (لونك حلو..والألوان الأخرى أيضا) بالأضافة إلى انشطة للشباب في التوعية بمخرجات الحوار الوطني بالتعاون مع عدد من المنظمات الحقوقية، وأنشطة لتحديد أولويات مجتمعية ضمن مخرجات الحوار الوطني 


وعن العراقيل والصعوبات التي واجهتها المؤسسة تحدثت قائلة:ان الصعوبات الأكثر جوهرية تتعلق أولا برؤية شريحة كبيرة من أفراد المجتمع للبرامج الثقافية  بأنها زائدة عن الحاجة، وثانيا لعدم تبني الحكومة والمؤسسات الرسمية لسياسات وبرامج ثقافية ذات طابع استراتيجي دائم، واقتصارها للأسف في تقديم أعمال ثقافية مناسباتية لا تتصف بطابع التطور والديمومة، بل قيامها الفعلي بتعطيل فضاءات موجودة مثل المسرح والسينما..الخ، ثالثا: غياب الاهتمام من المنظمات المانحة بالمؤسسات الثقافية وتركيزها على برامج ذات أولوية للمجتمع كالدعم الغذائي والصحي، رابعا: ندرة المتطوعين المهتمين بالانخراط في العمل الثقافي وتفضيلهم التطوع في المجالات الخيرية و مجالات التنمية البشرية.


 


غياب المشروع الثقافي الحقيقي  


في حين يرى الأستاذ عبده الحودي مدير عام مكتبة البردوني العامة:  أن المنظمات الثقافية الوهمية هي تلك التي لم تتمكن من امتلاك هوية ثقافية جلية، وغالبا ما تكون مرتبطة ببرنامج سياسي،في اتجاه تقديم خدمة للسلطة أو المعارضة عند الحاجة،ولهذا سرعان ما تصاب بالعطب؛ لأن برامجها لا تتماشى ولا تتوازي مع برامج المنظمات الثقافية المرتبطة بتنفيذ برنامج ثقافي عام،واستطاعت من خلاله أن تحافظ على ديمومتها،ومازالت حتى الآن في طور النضال ضد تحديات كثيرة تحول دون مرور مشاريعها الثقافية الداعمة لفكرة الدولة المدنية الحديثة. 


ويستمر الحودي بالقول: خلال السنوات الماضية أنجز المشهد الثقافي المؤسسي جملة من النشاطات الثقافية، تمثلت في العديد من الفعاليات وإنشاء مكتبات عامة مصغرة وإصدارات أدبية متنوعة وغيرها لتعزيز روح التحديث الثقافي والحداثة التي نصبو اليها وتمهد لصياغة مشروع ثقافي وطني.


ويرى الأستاذ عبده أن الربيع العربي صنع متغيرات، حيث قال: أفردت المنظمات الثقافية قبل وأثناء وبعد (ثورة الربيع العربي)   مساحة كبيرة للحديث حول الشأن السياسي والتعامل مع متغيراته،ونظمت العديد من الانشطة قُدم فيها جملة من المفاتيح للكثير من القضايا والإشكاليات،نحو استشراف حلم التحول والطموح،وتعزيز إنسانية الإنسان وتأكيد وجوده في الحياة،وإخلاصه للوطن من خلال الوعي بحقوقه وواجباته، وقبوله للتعايش والتسامح تجاه الكثير من المتناقضات. 


ويختتم الحودي بالاعتراف قائلا: أن غياب رؤية استراتيجية لمشروع ثقافي وطني حقيقي هو جذر المشكلة. ولأن الثقافة لا حول لها ولا مكانة،والمثقف الذي ينتمي بصورة أو بأخرى للسلطة أو المعارضة لا حول له ولا مكانة أيضا، وإن صناع القرار والشخصيات والوجاهات الاجتماعية لا تعير الثقافة أي اهتمام. 


قضية الثقافة جزءٌ من القضايا المسكوت عنها في مجتمع تتشكل فيه الرموز السياسية والدينية الخانقة للثقافة ودورها في صناعة الوعي. 


ولأن للكاتب والمثقف نصيب مما يعانيه الواقع الثقافي اليمني من إهمال، كان لقاؤنا مع مجموعة من الكتاب اليمنيين والذين لهم رؤيتهم لعمل المنظمات والمؤسسات الثقافية.


 


منظمات دون المستوى المهني والفكري  


حيث يقول الدكتور همدان دماج رئيس تحرير مجلة غيمان الثقافية: لا أعتقد أن هناك ممن له اهتمام مباشر بالثقافة عموماً، من سيقلل من أهمية المنظمات الثقافية بمختلف أنواعها وأحجامها وحتى فاعليتها، فغيابها بالتأكيد لن يكون مفيداً على الاطلاق. 


واضاف: صحيح أن الكثير من هذه المنظمات دون المستوى المهني والفكري المطلوب، وصحيح أنه قد توجد بعض المنظمات التي يخترعها أصحابها لأسباب شخصية أو مادية، إلا أن وجود الشيء أفضل من عدمه في مجتمع مثل مجتمعنا الذي يعاني من كل أسباب الجهل والتخلف، بل ومن كل أسباب الاقتتال والدمار. طبعاً لا ينبغي أن ننسى تلك القلة من المنظمات الثقافية التي تقوم بعملها كما ينبغي، وفي ظروف صعبة، وما أسهمت به في بقاء المشهد الثقافي على قيد الحياة، وما شكلته من فضاءات مهمة للمثقفين والمبدعين للتواصل وعرض ابداعاتهم الفنية والأدبية. 


ويوضح بالقول انه: لا يعتقد أن مرحلة الربيع العربي قد شكلت تغيراً جذرياً في أداء المنظمات الثقافية في اليمن، ولا في أدوارها سواء الايجابية أو السلبية، فالمثقف اليمني كان خارج نطاق التأثير المباشر للأحداث والانتفاضات الشعبية، سواء في بداياتها الثورية أو في نهاياتها المأساوية التي جاءت بسبب تصدر الأحزاب السياسية الضعيفة المشهد التغييري، وسمحت بسبب فشلها الذريع بظهور الثورات المضادة. لهذا من الصعب حقيقة رصد دور هذه المنظمات خلال السنوات القليلة الماضية، على أن الظروف الاستثنائية التي تمر بها اليمن من اقتتال أهلي وانقسام مجتمعي، وهيمنة الجماعات المليشاوية المسلحة على المشهد الرسمي، تجعل عمل هذه المنظمات، حتى الرائدة منها، غاية في الصعوبة، بل والاستحالة. على أنها في الوقت نفسه تضاعف من أهمية أي نشاط لهذه المنظمات مهما كان صغيراً، كأهمية ومضات الضوء في فضاء العتمة القاتلة. 


ويختتم د. همدان حديثه: بأن ما حصلت عليه بعض المنظمات من دعم ومساندة من وزارة الثقافة وبعض المؤسسات الحكومية في السنوات التي سبقت انهيار الدولة، كان دعماً محدوداً بسبب ضعف إمكانيات الدولة المادية والبشرية أولاً، وعدم اهتمامها بهذا الأمر ثانياً. والحقيقة أن هذا الدعم كان جوهرياً لعدد كبير من المنظمات التي تعتمد عليه كمورد وحيد، خاصة وأن المؤسسات المالية التجارية الخاصة للأسف ليس لها أي اهتمام حقيقي بالشأن الثقافي، ودعمها له يكاد لا يُذكر، وهو ما شكل تحدياً آخر للمنظمات الثقافية التي تختفي عادة ولا يكون لأصحابها إلا شرف المحاولة كما يقولون. 


 


ثورة قضت على كل جميل


ترى الدكتورة في كلية اللغات بجامعة صنعاء الشاعرة آمنه يوسف: أنه لا يوجد رابط ولا علاقة بين المنظمات الثقافية الجادة في تحقيق مشاريعها الثقافية وبين ما سمي بثورات الربيع العربي، وترى أن كل شيء نسبي في هذه الحياة وهذا ينطبق على الشأن الثقافي، فهناك منظمات أثمرت جهودها على مستوى الإصدارات والنشر وإقامة جوائز ثقافية تشجيعية خاصة في مجال الإبداع الأدبي. 


وتختتم الدكتورة آمنه  بالاتفاق مع ما ذهب اليه الأدباء حول دعم المنظمات الثقافية، حيث قالت: أن الدولة قد تعاونت ودعمت المنظمات الثقافية في مرحلة الاستقرار السياسي، نسبياً، وخاصة في مرحلة التسعينيات وحتى في ما بعدها إلى أن اندلعت ثورات ما سمي بالربيع العربي وما صاحبها من فوضى عارمة قضت على كل شيء جميل، فما بالك بالثقافة؟!! 


 


اجتراح الفعل الثقافي 


أما الكاتب والقاص حامد الفقيه فيقول: هناك منظمات سوداء الفعل والغاية إذا ما وظفنا اللون الأسود هنا بمعناه الرمزي وميزانياتها ضخمة مقارنة بالمنظمات الثقافية العاملة فعلا والمحركة للمشهد..وهذه المنظمات تقوم بدور صوالين التجميل لا أكثر لذا تدعمها وزارة الثقافة كحلقة وصل مباشرة والحكومة كتوجيه أعلى لأن عملها كما أسلفت هو التلميع في المناسبات والتطبيل في وقت الحاجة، وبكل تأكيد النسبيه هنا عاملة فلا نستطيع التعميم.


لذا هي  بدور المؤسسات الوهمية فعلها أوجع لأنها تستهلك صورة المثقف الدائم والهام كمناكيري في بلاط الحاكم المتحول الزائف. 


وأضاف الفقيه قائلا: يحرص محسوبو الثقافة في هرم الوزارة على أن يدعموا مثل هذا المسخ الذي يكون الدور بينهم تبادلي تعاوني على (غير البر) طبعا.. 


ولكنني هنا أؤكد أنه وبعد الربيع المغدور خصوصا ظهرت منظمات ثقافية ذات فعل ونتاج عظيم رغم قصر العمر الذي عاشته وتعيشه في مثل هذه الظروف الخانقة والمحبطة. هذه المنظمات جاءت بأرواح جيل جديد قدم من منابر حلم الربيع وروادها نستطيع حصرهم في الجيل الألفيني للأدباء والكتاب ومن سار بمثل احلامهم من الأجيال الأدبية.


ولعل أبرز ما يمكن أن يحسب لهذه المنظمات هو اجتراح الفعل الثقافي الأفقي التوسعي في الوسط البشري المتنور. وهذا ما لم تفعله ولم تتحمل عناه المنظمات الثقافية منذ التعددية والفعل الثقافي. 


إن منابر هذه المنظمات مزدحمة بالرؤى والشباب من الجنسين والتنوع الخلاق لاتجاهات الأدب النوعي والتفاعلي.


ويختم حامد بالقول: إن هذه المنظمات بحجم الفعل والأمل التنويري الذي صنعته خلال فترة أربعة أعوام وأقل انها جددت مطالبتنا وحفزت العودة لنشيدنا الحار بإغلاق وزارة الثقافة التي لم ولن تفعل شيئا للثقافة والمثقف، ورصد ميزانية مستحقة للمنظمات التي تطرح وتنفذ برامج الفعل والتنوير الثقافي الفاعل.. وهذا برأيي مخرج جدير وعلاج ناجع.


 


الثقافة احتياج موسمي فقط 


اما الدكتورة ابتسام المتوكل فبدأت حديها قائلة: سؤال الثقافة.. سؤال الحياة. فاليمن غني ثقافيا وهذه حقيقة لا جدال فيها، لكن الرهان على الثقافي فيه غياب عن المواجهة مما يطرح الكثير من الأسئلة، كأن قدر سؤال الثقافة أن يكون عالقا بين انتهازية السياسي وقسوة المحارب، فهل فقدت الثقافة في اليمن ثقلها، وتوارت عن قيادة المشهد، لتنقاد راضية أو كارهة لتعبئة السياسي والقبلي والمناطقي وسواها من الحمولات التي تكاد تضيق حتى تخنق حلم الوطن المتسع للجميع، ألهذا تبدو مؤسسات المجتمع اليمني الثقافية غائمة الحضور، وحين تريد أن تحضر فإن صعوبات جمة تجعل من حركتها أشبه ما تكون بحركة السائر في حقل ألغام!


 وحيث الثقافة احتياج موسمي في اليمن حسب رأي د. ابتسام حيث تكمل حديثها قائلة: الأنشطة الثقافية هي الدليل الملموس على وجود مؤسسة ثقافية تتفاعل مع محيطها وتؤثر فيه، وغالبا ما تواجه المؤسسات الثقافية في اليمن صعوبات عند تنفيذ هذه المناشط، لعل أهمها مرتبط بشحوب الوعي فيما يخص العمل الطوعي، لأن الأصل في هذه المؤسسات أنها غير ربحية. ومن ثم فإنها غالبا ما تعتمد على المتطوعين واللذين لا توجد لديهم خبرات تراكمية، وهؤلاء عملة نادرة فهم يبحثون عن وظائف بأجر، ومن الصعب في ظل غياب الدخل أن يستمروا متطوعين حتى لو بأجر جزئي.ولعل ذلك يشير الى مسؤولية الداعمين عن غياب التأهيل والتدريب للعاماين في النشاط الثقافي. إننا في بيئة يتكاثر فيها العاطلون وهو ما يجعل الخدمة الطوعية للمجتمع فكرة ترفيهية.  


وهنا لابد من الإشارة لصعوبة كبرى تواجه الثقافة غير المسيسة أو المنظور إليها بماهي جسر للعبور نحو قضايا اجتماعية أو سياسية، أو سواها من قضايا الساعة؛ إن تلك الصعوبة ماثلة في قلة الدعم أو موسميته أو توجهه للسياسي كما حصل مع عام الحوار الوطني الذي اتجهت فيه كل الأنشطة نحو ماله صلة بالحوار، دون الالتفات للاحتياجات الأصيلة لثقافة خالصة لدى المجتمع. 


وعن الخليط المشوش من سوء الفهم بين المجتمع والمؤسسات تضيف د. ابتسام: 


 في بيئة تعاني تنصل الجميع من الاستحقاقات الثقافية، وغياب وعيها ووعي الناشطين الثقافيين بأهمية تلبية الاحتياج الثقافي وإشباعه، وفي مؤسسات تتعالى على حاجة بيئتها تتحرك مؤسسات الثقافة في مجتمع غير صديق، أو ربما المجتمع يستشعر غياب تواصل أغلب المنظمات الثقافية مع احتياجاته الثقافية وتعاليها عليه أو استرزاقها باسمه. 


وتؤكد ان الدعم يتحول إلى عائق في اليمن قائلة: الداعم المحلي اليمني لا يرى نفسه معنيا بالشأن الثقافي أو خدمة مؤسساته، وحين يحضر في قلة من المساهمات في المجال العام فإنها تتحول إلى إعلانات غالبا أو أنها تتحول إلى المجال الخيري المحصور في توزيع بعض الأغذية أو الملابس أو بناء جامع!!


هل سمعتم بقطاع خاص في اليمن بنى جامعة أو مسرحا أو دار سينما؟ 


 


منظمات احتوتها اطراف الصراع  


 الأستاذ عبدالرحمن الغابري مؤرخ الهوية اليمنية بالكاميرا حيث قال والمرارة تعتصره من المنظمات والمؤسسات الثقافية أن:


البعض منها مؤطرة حزبيا وتخدم أهداف الحزب عن طريق الندوات المسماة ثقافية. ويعتبر الغابري أن المؤسسات والمنظمات ظاهرة جيدة إذا كان عملها مكرسا للثقافة الشاملة بما فيها الفنون الشعبية والفلكور ومستقلة استقلالا تاما عن الحزبية والحركات والجماعات الدينية.


ويظن الأستاذ عبدالرحمن قائلا: أن المنظمات الثقافية لم تفلح في شيء، بل احتوتها أطراف الصراع السياسي والقبلي وأسهمت في وأد الثورة.


وعن دعم الدولة يختتم عبدالرحمن الغابري بالقول: دعمت الدولة البعض منها  بشكل سخي لأنها خضعت للمزاج السياسي ولم يتم دعم المنظمات المهنية التي تنتج فعلاً ثقافياً احترافياً مستقلاً وتخدم الثقافة والموروث الثقافي بصورة ممتازة ولائقة. 


 

حول الموقع

إل مقه - نادي القصة اليمني