الأعداد السابقة

حوار مع الفنان والشاعر العراقي سمير البياتي

حوار: عمران الحمادي

سمير محمد البياتي-رسام ومصمم تشكيلي عراقي  زار اليمن وأقام فيها لأكثر من ثلاثة عشر سنة-وكان له مرسمه الخاص بصنعاء «قوس قزح».


حظيت لوحاته وتصميماته بإعجاب أهم أدباء اليمن كالروائي الغربي عمران وغيره. يكتب القصيدة وقال أن اليمن هي من تحرك فيه باعث الحرف وأن العراق الشقيق نهرٌ يغترف منه الآخرون ...نال العديد من الجوائز والأوسمة وشكل حضوراً كبيراً في تونس وبعض الدول العربية... (إل مقه) تحاوره حول تجربته ومسيرته الفنية وواقع الفن التشكيلي العراقي والعربي بالإضافة إلى بعض القضايا المتعلقة بالفن التشكيلي. 



1-  حدثنا عن تجربتك في الرسم؟ 

 السؤال التقليدي اللذيذ الذي يعيد الذاكرة إلى الوراء عشرات السنين ومنه ينشطها ويشحنها، لأن مع هول الأحداث وتراكماتها قد نفقد جماليات كثيرة من حياتنا، وللمحافظة على ذلك الحبل السري للولادة.. فيا صديقي الحب والوله والشغف هو الذي يخط مسيرتك وطريقك الأول، فمنذ الصغر وفي مراحلي الأولى كانت علبة الألوان الخشبية والشحمية –الباستيل-  وكراسة الرسم هما زادي اليومي، وكنت أرسم وأقلد بعض الصور الخاصة لرسوم الأطفال من شخصيات كارتونية، أو طبيعية، أو غيرها.. التي تتوفر تحت يدي، أو أرسم المشاهد اليومية التي أراها أمامي، وأتذكر وأنا في الصف الثالث ابتدائي حين حصلت على الجائزة الثالثة على مستوى المدرسة بكافة مراحلها، وهو عبارة عن (كأس) صغير، لا تتخيل تلك الفرحة وكأنني ربحت المليون.. ذهبت لوالدتي راكضا بل الأصح طائرا من شدة الفرح،.وبعدها مثلت مدرستنا في عدة مناسبات وخاصة المهرجانات الكبيرة التي تقام سنويا لكافة الأنشطة الفنية، وأشكر أستاذي مادتي اللغة العربية، والرياضيات، لأنهما كانا يتناوبان باصطحابي لتمثيل مدرستنا حين ذاك.. والمفارقة لا يوجد في مدرستنا مدرس لمادة الفنية،.في عام 1980 دخلت إلى معهد الفنون الجميلة في بغداد وهو كان حلمي ومطمحي، ومن هناك انطلقت الرحلة الجميلة، والرفقة الأجمل مع ما تعلمت من تجارب الأساتذة الفنانين الكبار الذين لهم أسماء لامعة في عالم الفن، بعضهم يمثل تجربة متميزة وفريدة ومنهم رافع الناصري، ومحمد مهر الدين، وسلمان عباس، وتركي عبد الأمير، وسهيل الهنداوي، و وسماء الأغا.. وغيرهم ثلة رائعة من الأساتذة الفنانين في عطائهم الفني وخلق جيل يخلفهم في مسيرة التشكيل العراقي.


 2-  كيف كانت بدايتك مع ما انتهجته من طريقة مختلفة في الرسم؟ 

 بصراحة كنت مشاغبا ومشاكسا في مجال العمل الفني، أتذكر عند درس الاستلايف (الحياة الجامدة)، حين أحضرت لوحتين مثبتة وملتصقة من إحدى جوانبها بشكل زاوية، أو ركن، وأنا أحاول رسم المشهد بشكل مستو للناظر،.بما معناه كيف اكسر زاوية المنظور للمشاهد من خلال اللوحتين، وتجربة أخرى في مادة النحت عندما كنا ندرس كيف نجسد ما نشاهده أمامنا من تماثيل أغلبها نسخ إيطالية، تضع أمامنا.حين عرض لنا الأستاذ في حينها نموذج لـ (قدم إنسان) وبعد الانتهاء من نحت المجسم الطيني، وشاهده الأستاذ وأعطائي بعض الملاحظات، وبعد الإنجاز التام من دقة للمنحوتة الأصلية،..وهنا جاءت المشاكسة، بان أضفت للقدم، سلسلة وكرة حديدية كبيرة وأصبح للعمل موضوع، وهو (السجين)، فاستحسنه وأثنى علي الأستاذ وباقي الزملاء بتلك الإضافة.


 3-  كيف هو وضع الفن التشكيلي بالعراق وفي العالم العربي بكامله؟

سؤال واسع وكبير شرقا وغربا.سوف أتحدث عن الفن العراقي الذي كنى نعرفه ونعيشه مع تجارب المعارض الجماعية والشخصية في فترة الثمانينيات، والتي لا يمر يوما إلا وأنت تزور معرض للرسم لفنان كبير أو معرض جماعي، هكذا كانت الساحة التشكيلية العراقية.وكنى نرى إعمال مبدعين أمثال جواد سليم، في متحف الرواد، ولوحات فائق حسن، وتجارب كاظم حيدر، وأفكار الدكتور علاء حسين بشير، ولقد التقيته، برفقة الصديق مؤيد محسن، في مرسمه وأهداني في حينها إحدى رسومه الورقية.وقائمة المبدعين طويلة جدا كل واحد من هؤلاء الفنانين يحتاج إلى مجلد تشرح فيه تجربته وأسلوبه وتقنيته الفنية والأفكار التي يطرحها وبعض الرموز والدلالات الرمزية والمقاصد المخفية منها والمعلن كانت الساحة التشكيلة ساحة للتجارب، والابتكار، رغم حصارنا وعدم سفرنا واحتكاكنا مع العالم في حينها، ورغم كل هذا الانغلاق كان الفكر التشكيلي العراقي متحررا ومتجددا، هذا ما رأيته من خلال مشاهدتي لبعض الأعمال الفنية العربية وتأثيرات امتدادها العراقي.كان الخط التشكيلي العراقي نبعا أو نهرا يغترف منه الآخرون، وهم أنفسهم يتحدثون بكل فخر أكثر مني حول تجارب وأهمية الفن العراقي الذي جمع ما بين اللون المدروس والخط القوي والفكرة في بناء وحدة الموضوع مع ابتكار تقنيات جديدة غير مطروقة في حينها..لو كان لنا نقادا كثر ولهم سطوة وصوت الناقد الأجنبي، والمشاهد الذكي اللماح المرتاح ماديا لكان الفن العراقي في مصاف الفن العالمي..لكن للأسف، لا توجد ثقافة بصرية شعبية، كآن الفن خلق للنخبة المثقفة ولبعض الميسورين فقط أولا وثانيا العزلة هي التي أبعدتنا عن هذا العالم.لكن بعد 2003 انطلق الفنان العراقي هاربا من وضعه المزري وجابوا أصقاع الأرض ينثرون تجاربهم وأعمالهم وقد أعيد مجد الفن العراقي وأصبحت أعماله كالآثار العراقية يدرس وينقب عنها ويشار لها بالبنان وأخذ مساره الطبيعي في الحركة التشكيلية العربية والعالمية.


4-  ما لذي يدعوك إلى المواصلة بهذا المجال؟

أستاذ عمران أنها رغبة أباهيه حبانا بها الرحمان وخصنا قد نكون رسلا ننشر الحب للجميع الفن هو التوازن ما بين الخير والشر أنه ككفة الميزان ما بين الجمال والقبح الفنان يخلق تلك الروح الإيجابية ويخط لسجل حياته وللآخرين أنه الشاهد الذي يرسم وينحت ما يدور من أحداث أنه مؤرخ يسجل التاريخ كلنا نقرا لوحات تشكيلية عربية أو عالمية رسمت لإحداث كانت مفاصل هامها في حياة الشعوب.الله أعطى موهبة الفن للفنان لكي يجمل الكون ويعطيه فضاء أرحب من تنوع في المواهب، إنها ألوان عدة فتسمع الموسيقى تناجي الروح، وتتلذذ بالشعر ونظم الكلام، وتطرب لسماع صوت لغناء وسحر النغم، والرسام والنحات والخطاط هم شواهد على ما أبدعه الرحمان على هذه الأرض..إنها هبة كيف أفرط فيها.


5-  وهل ما تحصل عليه من عوائد مادية يكفيك لتعيش؟

حياة الفنان مثل المد والجزر، وثانيا قلائل جدا من عاشوا في حياتهم مرفهين ميسورين والغالبية العظمى هم من كانوا من فقراء القوم..ونحن ليس بأفضل حال منهم ونحن ننتمي لهذه القافلة..


 6-  تكتب القصيدة وترسم لوحات ما مدى الترابط بينك وبين الأعمال الأدبية كالشعر مثلا؟

 من فضائل اليمن عليه أنها حركت بي جمالية الحرف وخلق الصورة المنطوقة في مداها الشاسع والواسع، تشرق ببصيرة المستمع لإعطاء صورا متعددة متخيلة تشاهد في فضاء العقل وتنسجم مع الروح.القصيدة: كالحمامة تحلق بكل انسيابية وعذوبة عندما تكون النفوس هادئة مطمئنة وسعيدة، وعندما يتعكر المزاج وتمتزج الألوان بعضها ببعض ما تحصل يخرج لك اللون الأسود، بهيئة غراب أو وجه كالح أو حين تعيش السقم، أما عن سؤالك..أخي عمران الرسم والنحت والشعر هي عدة وجوه لمنبع واحد، وإني أطوف بينهما مرة ارسم إن أمرتني أناملي بذلك فارسم ومرة أنحت أن أحببت أن أشاهد شكلا ما لا ينفع فيه الرسم بل يكون العمل مدورا، والآخر وهو الأسرع حين تطرق عليك فكرة القصيدة..تأتيك كلماتها..حسب ما تشتهي هي،..وهي التي تختار وقت الزمان والمكان صباحا كان أم مساء ليس لها مواعيد محددة وثابتة، قد تقلقك في عز النوم وتوسوس في عقلك كناقوس مزعج تكتبها وترتاح..هي تكون سعيد لأنها ثبتت وجودها..وتنام.


7-  وبماذا تتشارك مع زملائك الأدباء والكتاب العراقيون؟

 بصراحة..التقيت بثلة نيرة وتعرفت على أسماء كنى قد سمعنا بها.ومن خلال إقامتي بتونس، هناك الكثير من الأنشطة والفعاليات المؤسساتية وبعض الجمعيات والصالونات كلها تنشط، ويتم استضافة أدباء وفنانين عرب وعراقيين للتعرف على الأدب العراقي في مجال الشعر أو القصة وحتى الفن التشكيلي، وخير مثالا الكاتب الكبير عبد الرحمن مجيدا الربيعي القامة الكبيرة والشاعر سامي مهدي وحميد سعيد والروائي أحمد السعداوي وعلي بدر وغيرهم الكثير.لكن لم يحصل أي تعاون غير هذا الود.


8-  هل هناك أعمال أدبية شاركت فيها كفنان-  كرسام للوحة الغلاف؟ ما هي-  اذكرها؟.

نعم لدى العديد من المشاركات الأدبية والشعرية في محافل كبيرة ضمت شعراء متميزين، مع إخوتي في تونس وباقي الدول العربية.أما بخصوص المشاركات على صعيد معارض الفن التشكيلي بتونس، فقد انتخبت عضوا للهيئة الإدارية في رابطة الفنانين وتحصل للمرة الأولى لأنني اعتبر أجنبيا، علما بأني قد أصدرت كتابا نقديا بعنوان: (قراءة بصرية في الفن التشكيلي التونسي)، من خلاله تعرفت على أغلب الفنانين ومن كافة الأجيال والأعمار، من تجارب وأساليب فنية، وبالمناسبة عندي مخطوط كتاب يمثل (الفن التشكيلي والأدبي في الفن اليمني)، لم يصدر لحد الآن، تنقصنا الإمكانيات لطبعة.أما بخصوص أغلفة الكتب، فقد كانت لوحاتي تتصدر العديد من العناوين المهمة مثلما حصل في اليمن، تكرر مع الأدباء والشعراء المتميزين بتونس، وكل هذا وذاك مرفق في السيرة الذاتية أدناه.


9-  ماهي الفعاليات والمشاركات الفنية التي شاركت فيها؟ وكيف وجدتها؟

لدي عدة مشاركات في بلدان عربية منها مشاركتي  في المعرض التكريمي (لبابلو بيكاسو وخوان ميرو) بقاعة كولبنكيان في بغداد عام 1984،كما شاركت في معرض الفنون التشكيلية – الاسبوع الثقافي العربي، في مدينة الثقافة، تونس في العام 2019.

وعن نيلي للجوائز فقد حصدت الكثير منها - شهادة شكر وتقدير من البيت الثقافي العراقي التونسي في العام 2014م كما نلت شهادة شكر وتقدير  من جمعية جوهرة الساحل الثقافية والمغاربية، في سوسة، بتاريخ 22 يونيو.


10-  هل ساهمت في إبراز وجودك كفنان تشكيلي مهم ومختلف؟

 أنا لا أقيم نفسي بل اترك الإجابة للنقاد والفنانين والمشاهدين، بما كتبوا من دراسات ومقالات وحتى قصائد شعرية والحمد لله.


11-  مرسمك الخاص بك-  ماذا يعني لك؟

من أجمل فترات حياتي هو مرسمي الذي أقمته في صنعاء مرسم (ألوان)، قرب جامعة صنعاء، وبعدها انتقلنا إلى شارع حدة وأصبح عنوانه مرسم (قوس قزح) حيث شهد حضور المبدعين من الشعراء والأدباء والمثقفين، طبعا والفنانين الشباب لتعليم فن الرسم وأصوله الأكاديمية.


 12-  وكيف تعمل في زمن الحرب؟ وفي ظل عدم الاهتمام بك كفنان من قبل الوزارة المعنية؟

! أصدقك القول..وابدأ من نهاية السؤال..لم يتم الاهتمام بي أو بغيري من الفنانين.إلا عندما كنى في العراق أيام صدام حسين كانت الوزارة تقتني مجموعة من اللوحات، من كل معرض مقام تشجيعا ومساعدة الفنان ماديا وانء أتحدث عن نفسي وكيف تم شراء خمس لوحات من أحد معارضي من قبل الوزارة-  أيام النظام البائد-  كما يقولون وعندما أتت الحكومات بعد 2003 لم نر أي خير منهم بل على العكس هدت وأزالت نصبا وتماثيل وميراث جهد لفنانين لهم وزنهم وقيمتهم الفنية، بحجة أنهم فنانون عملوا أيام النظام السابق..هذا كل ما أنجزته الوزارات المتعاقبة المهلهلة غايتها كيف تسرق ميزانية الفن والفنانين لأنها مسيسة طائفيا، لأحزابهم يعتبرون الوزارة دكان يعملون به، إما في زمن الحرب..فيا أخي عمران..متى هدأت الحروب على، وفي العراق، نحن جيل النكبات والجروح والصراخ والعويل وكل يوم نحفر وندفن أعزائنا من الشباب، بل تعودنا على الموت وأصبح لا يخيفنا، وحتى لو ورد على مسامعنا خبر وفاة، أو مقتل، أو اغتيال، صديق أو قريب يأتيك يقول لك مات فلان، تصمت قليلا وتقول الله يرحمه وتمضي.كل أعمالنا من رسم ونحت هو سجل لهذا التاريخ المظلم المؤلم الذي استباح من قبل الجوار الحاقد وذيوله، حكوماتنا وسيواسينا لا سلطة لهم أنهم منفذون خونة أذلاء.


13-  ما هو لونك المفضل- ؟ ولماذا؟ وماذا تعني لك بقية الألوان؟ 

 أتمنى لو تشرق ألوان قوس قزح وتزيح كل هذه القتامة من حياتنا وقلوبنا ونعيش باقي أيامنا سعداء..أتمنى.....


 14-  زرت وعملت في اليمن....

كيف وجدتها؟ ثقافيا وفنيا؟ 

اليمن قصيدة أو معلقة شعرية جميلة، بأهلها الكرام وطيبتهم وأخلاقهم العربية الأصيلة.اليمن، حافظة إرث الأجداد ومعلمة العرب الأفذاذ، هذه الصفات احملها لهم لمدة أربعة عشر عاما فترة مكوثي في اليمن السعيد لغاية سفري عام 2012، إلى تونس الخضراء.


15-  بماذا تتشابه اليمن مع العراق؟ 

بالطيبة والحميمية والكرم.


 16-  رسالة توجهها لليمن ممثلة بفنانيها ومبدعيها من رسامين وأدباء.! 

عفوا..صديقي أنا تلاميذ أتعلم النطق في حضرة المعلم الكبير، (اليمن)، لأزل المعلم والجهبذي الدكتور عبد العزيز المقالح حفظه الله ورعاه علما شامخا عربيا، والدكتور إبراهيم أبو طالب الباحث والشاعر الجميل بكتبه وأدبه، والروائي الغربي عمران ذلك الفارس الذي يشق غبار الحكايات بقصصه.أما ذلك المغوار المشاكس علي المقرني فبقي يسرد لنا سفر الأيام، أما عذوبة قصص انتصار السري عبارة عن شهد وحلاوة الروح.ويبقى شعر يحيى الحمادي في الأذهان كالطبل مدويا، حتى بلاغة شعر زين الدين الضبيبي لها وقع في النفس والعقل، وهناك العديد والعديد من الإبداع المشرق في الساحة اليمنية فقد تحتاج إلى المساندة والدعم، ولا نسى لوحات الفنان التشكيلي الجميل زياد العنسي وهو يطوف بنا بمواضيعه والألوان أنه كالنساج الماهر يطرزها بكل أناة أو كالشاعر المحنك حين ينظم قصيدته – لوحته.والدكتورة آمنة النصيري وبحثها الكبير الذي تشغلنا بأفكارها يجب أن نقف أمامها نحللها بعمق، والقائمة تطول..وتطول أرجو منك أخي عمران إعادة صياغة السؤال وتقول ماذا تعلمت من كل هؤلاء..فأقول لك الكثير الكثير..ويكفيني فخرا صدر ديوان الشعري الأول في اليمن (عودة جلجامش المنتظر) تقديم الدكتور عبد العزيز المقالح والدكتور إبراهيم أبو طالب، الله يحمي اليمن وأهله من كل مكروه.


حول الموقع

إل مقه - نادي القصة اليمني