الأعداد السابقة

العزلة والكتابة

زياد القحم

الكتابة فعل يحتاج إلى الهدوء والتأمل، ولذلك فإن الفتـرات التي ينقطع فيها الكاتب أو الكاتبة عن الناس تكون ثرية بإنجازات الكتابة سواء، كان هذا الانقطاع فعلاً اضطرارياً كحالات من تمنعهم أسباب صحية أو غيـرها عن الخروج أو كان اختيارياً كحالات الانقطاع من أجل التفرغ لإنجاز أعمال معينة، أو كان بين الاضطرار  والاختيار كما يحدث هذه الفترة التي ينقطع فيها الكثير من الناس عن الخروج من أماكن إقامتهم ضمن إجراءات الحجر الصحي المصاحب لتفشي وباء كورونا المستجد.


وفي كل الأحوال فإنها مناسبات جيدة لتجريب طريقة جديدة في الحياة أو ممارسة طقوس حياتية مختلفة، ومن أهم ما يمكن فعله هو ممارسة القراءة بما لها من قيمة إنسانية، وما تمنحه من ارتقاء في الذائقة والمعرفة، والأهم أنها تناسب كثيراً فعل الكتابة، فهي توفر مساحة زمنية كافية للتأليف وإنجاز الأعمال التي تم التخطيط لها خلال فترات سابقة ولم تنجز في وقتها.


ربما الموجع أنها فترات مليئة بالإشكاليات الاقتصادية التي تترك آثاراً سلبية على الطبقات العاملة بسبب انقطاعها عن أعمالها، الكتاب والكاتبات والمؤلفون والمؤلفات ينتمون وينتمين في الغالب لطبقات عاملة متأثرة بهذا الوضع الصعب، تصبح هذه الفترة فترة معاناة -من النوع الذي لا يولد الإبداع- وهم يجدون الكثير من المتاعب في سبيل توفير لقمة العيش الكريمة في ظل انقطاع الأعمال وعدم وجود أي موارد أخرى، و هذه لا حل لها إلا الصبر، وحتى تتحسن الأمزجة بحيث تساعد على استئناف الكتابة، فإن المبدع يحتاج إلى أن يحافظ على صحته النفسية، كنوع من تخفيف الخسائر، وأن يقنع نفسه بأنه في فترة عزلة اختيارية إبداعية، سوف تكون مفيدة له إذا أدارها بشكل جيد، ولعل ما ينجزه  من الكتابة يكون معيناً له في قادم الأيام على تحسين وضعه بطريقة ما، وهذا الاقتناع سيخفف من ألم الابتعاد عن الجو الاجتماعي فالإنسان اجتماعي بطبعه، و هذه الفترة مهما طالت ستنتهي، نتمنى للجميع السلامة فيها، ومن سلم فإنه سيستأنف حياته، والمبدع لا يموت، وها نحن نحاول أن نقطف من شجرة الإبداع المستمرة في الإثمار بعضَ ثمارها، هذه الشجرة وارفة وخيرة ومباركة، وهي رغم ظروف هذه الفترة لا زالت محملة بالجمال ولا زال المبدعون والمبدعات في إنجاز مستمر تدل عليه مواد هذا العدد من مجلة (إل مقه). 

حول الموقع

إل مقه - نادي القصة اليمني